أقرّ الاتحاد الأوروبي، اليوم الجمعة، الحزمة 18 من العقوبات ضد روسيا، في أحدث تصعيد اقتصادي وسياسي للضغط على موسكو بسبب استمرار غزوها لأوكرانيا، بحسب ما أفاد به عدد من الدبلوماسيين لوكالة أسوشييتد برس. وتهدف العقوبات الجديدة إلى تضييق الخناق على مصادر تمويل المجهود الحربي الروسي، من خلال استهداف قطاعات الطاقة والمالية، وتعزيز القيود على الأفراد والكيانات الداعمة للكرملين. وجاءت الموافقة بعد تجاوز تحفظات سلوفاكيا، التي كانت تعارض الإجراءات الجديدة بدافع مخاوف تتعلق بأمن الطاقة، ما كان يهدد بعرقلة الإجماع المطلوب داخل التكتل الأوروبي.

ووفق دبلوماسيين أوروبيين تحدثوا لوكالات الأنباء، فإن الحزمة الجديدة تتضمن فرض قيود علىد المراقبة على الشركات ال صادرات التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، وتشديروسية التي يشتبه في استخدامها واجهات في دول ثالثة لتجاوز العقوبات القائمة، كما تشمل الحزمة خطوات لحرمان روسيا من إمكانية الوصول إلى مكونات صناعية أوروبية تُستخدم في الصناعات الدفاعية، ومنع تحويل المعدات والتكنولوجيا إلى روسيا عبر دول وسيطة.

سلوفاكيا تتراجع عن اعتراضها

كانت سلوفاكيا، العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، قد أعاقت التوافق على الحزمة خلال الأيام الماضية، متذرعة بتأثير العقوبات على وارداتها من الغاز الروسي، وخصوصاً في ظل هشاشة البنية التحتية للطاقة فيها، إلّا أن رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو، أعلن مساء الخميس، أنه وجّه وفد بلاده في بروكسل بالموافقة على الحزمة، مؤكداً أن „الاستمرار في العرقلة ستكون له آثار عكسية على مصالح سلوفاكيا ضمن الاتحاد الأوروبي“. ويُشترط بالإجماع بين الدول الأعضاء الـ27 لتمرير أي عقوبات أوروبية.

منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، تبنّى الاتحاد الأوروبي نهجاً تصاعدياً في فرض العقوبات، في محاولة لعزل موسكو عن النظام الاقتصادي العالمي، وتجفيف منابع تمويل الحرب. وشملت العقوبات الأوروبية حتى الآن، فصل البنوك الروسية الكبرى عن نظام „سويفت“، وتجميد أصول البنك المركزي الروسي في أوروبا، وحظراً تدريجياً لواردات الفحم والنفط والمنتجات المكرّرة من روسيا، وفرض سقف سعري على النفط الروسي المنقول بحراً، ومنع تصدير التكنولوجيا الدقيقة والمعدات الصناعية المتقدمة، وإدراج أكثر من ألفَي شخص وكيان على قوائم العقوبات، كما قدّمت الدول الأوروبية مساعدات مالية وعسكرية وإنسانية ضخمة لأوكرانيا، تجاوزت مئة مليار يورو، بحسب تقديرات المفوضية الأوروبية حتى منتصف عام 2025.

الانتقال إلى العقوبات „الثانوية“

تتميّز الحزمة الثامنة عشرة بتركيزها على العقوبات الثانوية، أي استهداف الشركات والدول التي تساعد موسكو في الالتفاف على القيود المفروضة سابقاً. ويُعتقد أن روسيا تمكّنت من تأمين معدات غربية محظورة من خلال شركات وسيطة في دول مثل تركيا، وكازاخستان، والإمارات. وتتضمّن الإجراءات الأوروبية الجديدة آليات لرصد شبكات الالتفاف، وفرض التزامات قانونية مشدّدة على الشركات الأوروبية، تحت طائلة الغرامات أو المقاضاة، إذا ثبت تورطها في تمرير معدات محظورة بطريقة غير مباشرة، كما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى توسيع التعاون مع الدول المجاورة للاتحاد، للحد من حركة السلع الخاضعة للعقوبات عبر الحدود، وتوفير وسائل رقابية إلكترونية أكثر فاعلية لتتبع مسارات التهريب.

تحدّي قدرة روسيا على التكيّف

ورغم أن العقوبات كبّدت الاقتصاد الروسي خسائر ملحوظة، لا سيّما من حيث تراجع الواردات الغربية، وتقلّص إيرادات الميزانية العامة، إلّا أن موسكو نجحت نسبياً في التكيّف، عبر إعادة توجيه تجارتها نحو الصين والهند، وتعزيز استخدام الروبل في التعاملات الدولية، وتوسيع نظام الدفع المحلي البديل لـ“سويفت“. ويقدّر خبراء أن روسيا لا تزال قادرة على تمويل حربها، بفضل عائدات الطاقة العالية نسبياً، رغم القيود الغربية، إضافة إلى دعم غير مباشر من بعض الدول غير المنخرطة في العقوبات.

وتشير مصادر دبلوماسية أوروبية إلى أن الحزمة التاسعة عشرة قيد التحضير، وقد تشمل إجراءات أكثر صرامة، منها، حظر استيراد الألماس الروسي، وتوسيع القيود على القطاع النووي المدني الروسي، وفرض إجراءات قانونية لتجميد واستخدام جزء من الأصول الروسية المجمّدة في أوروبا لدعم إعادة إعمار أوكرانيا. لكن هذه الخطوات لا تزال محلّ نقاش قانوني وسياسي، في ظل انقسام داخل التكتل حول مشروعية استخدام أموال روسية مجمّدة في أغراض سياسية أو عسكرية.